عطوان ...شعبا الامارات والبحرين تعبا من الحروب ولكن في اليمن وليس في فلسطين.. ما هما اكبر كذبتين يمكن رصدهما وسط مهرجان توقيع اتفاقي السلام في البيت الأبيض؟ وكيف ستوقع ست دول اتفاقات مماثلة وهي لم تجرؤ على ارسال ممثلين عنها لحضور الحفل؟ ولماذا لا نتوقع إقامة طويلة وهانئة للسفارتين الاسرائيليتين في أبو ظبي والمنامة؟


عبد الباري عطوان
الصواريخ التي انطلقت من قطاع غزة المحاصر المجوّع بإتجاه مدينتي اسدود وعسقلان جنوب فلسطين المحتلة اثناء توقيع اتفاقيتي السلام بحضور بنيامين نتنياهو ووزيري خارجية الامارات والبحرين جاءت تأكيدا بان جميع هذه الاتفاقات بلا أي قيمة، وان من ينهي الصراع سلما او حربا هم أبناء الشعب الفلسطيني، وبدعم من اشقائهم العرب والمسلمين.
الرئيس ترامب الذي رعى هذا المهرجان المسرحي في حديقة البيت الأبيض مارس الكذب في ابشع اشكاله عندما قال ان ست حكومات عربية، ولا نقول دول، قد تنضم الى اتفاقات مماثلة، فكيف ستقدم هذه الحكومات على هذه الخطوة المعيبة وهي لم تجرؤ على ارسال سفرائها، او حتى مندوبين من مراتب منخفضة لتمثيلها في هذا المهرجان؟
الامارات والبحرين اللتان سقطتا في مصيدة التطبيع بأعين مفتوحة للأسف، كانتا تبتعدان عن الأرض المحتلة اكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر تقريبا، وعاشا في حالة من الامن والاستقرار، بينما تولت هذه المهمة دول وشعوب المواجهة، مصر وسورية والأردن، وبدعم عسكري من الجزائر والعراق، والآن وبحكم هذين الاتفاقين، اصبحتا دول مواجهة فعلا، ولكن مع ايران، التي بات الوجود الأمني والعسكري الاسرائيلي فيهما يشكل خطرا وجوديا على الامن القومي الإيراني، فالاقتصاد والصفقات التجارية مع هذه الدول، التي تعيش الأولى على المساعدات (البحرين)، والثانية يوشك زمانها النفطي على الانتهاء (الامارات)، يحتل مرتبة اقل أهمية بالنسبة لصانع القرار الإسرائيلي، الحليف الجديد، الذي يرى في ايران، وترسانتها الصاروخية الضخمة وبرنامجها النووي، تهديدا وجوديا.
***
بالأمس هدد الرئيس الايراني حسن روحاني بأن بلاده ستعتبر أي وجود إسرائيلي على الساحل الشرقي للخليج تهديدا لها، وستحمّل كل من البحرين والامارات مسؤولية أي اعتداء ينطلق من أراضيهما ضد بلاده.
الإسرائيليون لا يحترمون العهود والاتفاقات، ولا يلتزمون ببنودها، ولعل تجربة السلطة الفلسطينية التي وقعت اتفاق أوسلو معهم قبل 27 عاما، والنهاية المهينة والمذلة التي انتهوا اليها احد ابرز الأمثلة، فهل تستطيع الحكومتان الإماراتية والبحرينية منع المخابرات الإسرائيلية من التجسس على ايران، او ارسال عناصرها لتفجير منشآت نووية، او موانئ نفطية على الضفة المقابلة من الخليج، او بناء قواعد عسكرية قرب مضيق هرمز او بحر عُمان؟
في التسعينات من القرن الماضي فتحت “إسرائيل” مكاتب تجارية في قطر وسلطنة عُمان وتونس والمغرب، وسفارة في نواكشوط، انتفاضة واحدة مسلحة عام 2000 في الأراضي الفلسطينية المحتلة أدت الى اغلاق جميع هذه المكاتب الواحدة تلو الأخرى، واقدمت الجرافات الموريتانية على اقتلاع السفارة العبرية من جذورها، ولم يعد لها أي اثر.
نستغرب امرين وردا في مراسم مهرجات توقيع الاتفاقيتين في حديقة البيت الأبيض:
الأول: القول بأن العرب، والدولتين المطبعين على وجه الخصوص تعبتا من الحروب، وان الاجيال الجديدة تتطلع الى التنمية والازدهار، وهذا صحيح، لان الحرب التي خاضتها الدولتان، ومعهما المملكة العربية السعودية، كانت في اليمن، وليست في فلسطين المحتلة، ولا يوجد أي دليل، ولو ضعيف، يؤكد ان القضية الفلسطينية كانت عائقا في طريق تنمية وازدهار شعوب هذه الدول الثلاث بالذات، ففي يوم واحد ابتز ترامب 460 مليار دولار من السعودية، اي عشرة اضعاف تكاليف الحروب الأربع ضد إسرائيل وفوقها الحرب العراقية الإيرانية، أي 400 ضعف المساعدات للثورة الفلسطينية على مدى 40 عاما.
الثاني: اتهام الرئيس ترامب اثناء اجتماعه بنتنياهو مع الصحافيين قبيل التوقيع على الاتفاقين الفلسطينيين بأنهم لم يحترموا ادارته، والولايات المتحدة عموما، ولهذا أوقف عنهم مساعدات بحوالي 400 مليون دولار سنويا، واغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن.
***
انها قمة الوقاحة، فماذا كان يتوقع ترامب من الفلسطينيين بعد ان نقل سفارته الى القدس المحتلة، واعترف بالمدينة المقدسة عاصمة ابدية موحدة للدولة العبرية، وتبنى ما يسمى بصفقة القرن كمبادرة أمريكية للسلام، هل كان يتوقع ترامب من الفلسطينيين ان يبيعوا قضيتهم مقابل 400 مليون دولار مساعدة سنوية من حكومته؟
مثلما أغلقت الانتفاضة المسلحة الثانية مطلع القرن الحالي مكاتب تجارية إسرائيلية في الخليج والاتحاد المغاربي، وفوقهم سفارة في موريتانيا، فان بضعة صواريخ إيرانية، او “حوثية”، قد تغلق السفارتين الاسرائيليتين في أبوظبي والمنامة كنتيجة لخطأ في الحسابات الإسرائيلية او الأمريكية، ان لم يكن اكثر.
طالما ان هناك ستة ملايين فلسطيني في الأراضي المحتلة عامي 48 و67، وضعفهما في دول الجوار العربي والمنافي، لن يكون هناك أي سلام، وكل هذه الاتفاقات بلا قيمة حقيقية، وتشكل خطرا على موقعيهما من الجانبين، لانها تعميهم عن رؤية الحقيقة، وتبيع لهم الوهم والسراب الخادع.
شكرا لصواريخ غزة التي علقت الجرس، وسلطت الاضواء على الحقائق المجردة، واظهرت لب الصراع الحقيقي وفي الوقت المناسب، والقادم اعظم.. والأيام بيننا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شرح قصيدة مصطفى للشاعر عبدالله البردوني

هذا ليس دونالد ترامب الذي انتخبته أمريكا" - نيويورك تايمز.

نسخة جديدة من برنامج الذكاء الاصطناعي لحل المعادلات الرياضية والتفاعل مع مشاعر البشر