ثلاثية السيف و القلم .... ياسين البكالي و أبو تمام و عبدالله البردوني


هؤلاء ثلاث قصائد في الشعر العربي وقصيدة ثالثة تشبه الشعر . تناولنَ الثلاثُ جدلية السيف والقلم في التأريخ العربي والثُنائية المحورية في علاقة المثقف بالسياسي والتي لم تخرج عن سياق تبعية الأول للآخر إلا في حالات نادرة استطاعت بأن تحقق جدوى الصيرورة التأريخية لمنطق الحق والضمير وقد عكست هذه القصائد الثلاث ثلاث مراحل زمنية للتأريخ العربي وانعكاسات السيف والقلم على خارطة الوعي الجمعي.
*القصيدة الأولى للشاعر أبي تمام وتعكس الحالة التوافقية للسيف مع القلم في العصر العباسي وجدواهما في آن.
*القصيدة الثانية في نصف القرن العشرين للشاعر العربي عبدالله البردوني والتي جاءت بعد النكسة العربية 1967م وتعكس خفوق دور السيف مع امتلاء الأفق ببوارق ثقافية للقلم حرّكت إليها نواظر الوعي الجمعي العربي .
* القصيدة الثالثة وتأتي بعد الألفية الثالثة وتعكس حالة التردّي القِيمي للوضع العربي على كافة الأصعدة وتماهي دور السيف والقلم في اشكالية بنيوية تتعلق بالإنهزامية التأريخية وخفوت الوعي الحضاري وذلك ما حاول قراءته شاعر هذه القصيدة ياسين محمد البكالي من خلال معارضته للشاعرين العربيين الكبيرين  على نفس البحر والقافية مع اختلاف في حركة الإعراب والتي وظفها الشاعر بطريقة فذة فأبو تمام جاءت قصيدته مكسورة القافيه بـِ
وعارضه البردوني بقصيدة مضمومة القافيه بـُ وجاء البكالي بقصيدته المفتوحه بـَ .
***
القصيدة الأولى
_____________
للشاعر/ أبي تمام (حبيب بن أوس )

السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ

بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ

والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَة ً بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافي السَّبْعَة ِ الشُّهُبِ

أَيْنَ الروايَة ُ بَلْ أَيْنَ النُّجُومُ وَمَا صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فيها ومنْ كَذِبِ

تخرُّصاً وأحاديثاً ملفَّقة ً لَيْسَتْ بِنَبْعٍ إِذَا عُدَّتْ ولاغَرَبِ

عجائباً زعموا الأيَّامَ مُجْفلة ً عَنْهُنَّ في صَفَرِ الأَصْفَار أَوْ رَجَبِ

وخَوَّفُوا الناسَ مِنْ دَهْيَاءَ مُظْلِمَة ٍ إذا بدا الكوكبُ الغربيُّ ذو الذَّنبِ

وصيَّروا الأبرجَ العُلْيا مُرتَّبة ً مَا كَانَ مُنْقَلِباً أَوْ غيْرَ مُنْقَلِبِ

يقضون بالأمر عنها وهي غافلة ما دار في فلك منها وفي قُطُبِ

لو بيَّنت قطّ أمراً قبل موقعه لم تُخْفِ ماحلَّ بالأوثان والصلُبِ

فَتْحُ الفُتوحِ تَعَالَى أَنْ يُحيطَ بِهِ نَظْمٌ مِن الشعْرِ أَوْ نَثْرٌ مِنَ الخُطَبِ

فتحٌ تفتَّحُ أبوابُ السَّماءِ لهُ وتبرزُ الأرضُ في أثوابها القُشُبِ

يَا يَوْمَ وَقْعَة ِ عَمُّوريَّة َ انْصَرَفَتْ منكَ المُنى حُفَّلاً معسولة ََ الحلبِ

أبقيْتَ جدَّ بني الإسلامِ في صعدٍ والمُشْرِكينَ ودَارَ الشرْكِ في صَبَبِ

أُمٌّ لَهُمْ لَوْ رَجَوْا أَن تُفْتَدى جَعَلُوا فداءها كلَّ أمٍّ منهمُ وأبِ

وبرْزة ِ الوجهِ قدْ أعيتْ رياضتُهَا كِسْرَى وصدَّتْ صُدُوداً عَنْ أَبِي كَرِبِ

بِكْرٌ فَما افْتَرَعَتْهَا كَفُّ حَادِثَة ٍ ولا ترقَّتْ إليها همَّة ُ النُّوبِ

مِنْ عَهْدِ إِسْكَنْدَرٍ أَوْ قَبل ذَلِكَ قَدْ شابتْ نواصي اللَّيالي وهيَ لمْ تشبِ

حَتَّى إذَا مَخَّضَ اللَّهُ السنين لَهَا مَخْضَ البِخِيلَة ِ كانَتْ زُبْدَة َ الحِقَبِ

أتتهُمُ الكُربة ُ السَّوداءُ سادرة ً منها وكان اسمها فرَّاجة َ الكُربِ

جرى لها الفالُ برحاً يومَ أنقرة ِ إذْ غودرتْ وحشة ََ الساحاتِ والرِّحبِ

لمَّا رَأَتْ أُخْتَها بِالأَمْسِ قَدْ خَرِبَتْ كَانَ الْخَرَابُ لَهَا أَعْدَى من الجَرَبِ

كمْ بينَ حِيطانها من فارسٍ بطلٍ قاني الذّوائب من آني دمٍ سربِ

بسُنَّة ِ السَّيفِ والخطيَّ منْ دمه لاسُنَّة ِ الدين وَالإِسْلاَمِ مُخْتَضِبِ

لقد تركتَ أميرَ المؤمنينَ بها للنَّارِ يوماً ذليلَ الصَّخرِ والخشبِ

غادرتَ فيها بهيمَ اللَّيلِ وهوَ ضُحى ً يَشُلُّهُ وَسْطَهَا صُبْحٌ مِنَ اللَّهَبِ

حتَّى كأنَّ جلابيبَ الدُّجى رغبتْ عَنْ لَوْنِهَا وكَأَنَّ الشَّمْسَ لَم تَغِبِ

ضوءٌ منَ النَّارِ والظَّلماءُ عاكفة ٌ وظُلمة ٌ منَ دخان في ضُحى ً شحبِ

فالشَّمْسُ طَالِعَة ٌ مِنْ ذَا وقدْ أَفَلَتْ والشَّمسُ واجبة ٌ منْ ذا ولمْ تجبِ

تصرَّحَ الدَّهرُ تصريحَ الغمامِ لها عنْ يومِ هيجاءَ منها طاهرٍ جُنُبِ

لم تَطْلُعِ الشَّمْسُ فيهِ يَومَ ذَاكَ على بانٍ بأهلٍ وَلَم تَغْرُبْ على عَزَبِ

ما ربعُ ميَّة ََ معموراً يطيفُ بهِ غَيْلاَنُ أَبْهَى رُبى ً مِنْ رَبْعِهَا الخَرِبِ

ولا الْخُدُودُ وقدْ أُدْمينَ مِنْ خجَلٍ أَشهى إلى ناظِري مِنْ خَدها التَّرِبِ

سَماجَة ً غنِيَتْ مِنَّا العُيون بِها عنْ كلِّ حُسْنٍ بدا أوْ منظر عجبِ

وحُسْنُ مُنْقَلَبٍ تَبْقى عَوَاقِبُهُ جاءتْ بشاشتهُ منْ سوءٍ منقلبِ

لوْ يعلمُ الكفرُ كمْ منْ أعصرٍ كمنتْ لَهُ العَواقِبُ بَيْنَ السُّمْرِ والقُضُبِ

تَدْبيرُ مُعْتَصِمٍ بِاللَّهِ مُنْتَقِمِ للهِ مرتقبٍ في الله مُرتغبِ

ومُطعَمِ النَّصرِ لَمْ تَكْهَمْ أَسِنَّتُهُ يوماً ولاَ حُجبتْ عنْ روحِ محتجبِ

لَمْ يَغْزُ قَوْماً، ولَمْ يَنْهَدْ إلَى بَلَدٍ إلاَّ تقدَّمهُ جيشٌ من الرَّعبِ

لوْ لمْ يقدْ جحفلاً، يومَ الوغى ، لغدا منْ نفسهِ، وحدها، في جحفلٍ لجبِ

رمى بكَ اللهُ بُرْجَيْها فهدَّمها ولوْ رمى بكَ غيرُ اللهِ لمْ يصبِ

مِنْ بَعْدِ ما أَشَّبُوها واثقينَ بِهَا واللهُ مفتاحُ باب المعقل الأشبِ

وقال ذُو أَمْرِهِمْ لا مَرْتَعٌ صَدَدٌ للسارحينَ وليسَ الوردُ منْ كثبِ

أمانياً سلبتهمْ نجحَ هاجسها ظُبَى السيوفِ وأطراف القنا السُّلُبِ

إنَّ الحمامينِ منْ بيضٍ ومنْ سُمُرٍ دَلْوَا الحياتين مِن مَاءٍ ومن عُشُبٍ

لَبَّيْتَ صَوْتاً زِبَطْرِيّاً هَرَقْتَ لَهُ كأسَ الكرى ورُضابَ الخُرَّدِ العُرُبِ

عداك حرُّ الثغورِ المستضامة ِ عنْ بردِ الثُّغور وعنْ سلسالها الحصبِ

أجبتهُ مُعلناً بالسَّيفِ مُنصَلتاً وَلَوْ أَجَبْتَ بِغَيْرِ السَّيْفِ لَمْ تُجِبِ

حتّى تَرَكْتَ عَمود الشرْكِ مُنْعَفِراً ولم تُعرِّجْ على الأوتادِ والطُّنُبِ

لمَّا رأى الحربَ رأْي العينِ تُوفلِسٌ والحَرْبُ مَشْتَقَّة ُ المَعْنَى مِنَ الحَرَبِ

غَدَا يُصَرِّفُ بِالأَمْوال جِرْيَتَها فَعَزَّهُ البَحْرُ ذُو التَّيارِ والحَدَبِ

هَيْهَاتَ! زُعْزعَتِ الأَرْضُ الوَقُورُ بِهِ عن غزْوِ مُحْتَسِبٍ لا غزْو مُكتسبِ

لمْ يُنفق الذهبَ المُربي بكثرتهِ على الحصى وبهِ فقْرٌ إلى الذَّهبِ

إنَّ الأُسُودَ أسودَ الغيلِ همَّتُها يوم الكريهة ِ في المسلوب لا السَّلبِ

وَلَّى ، وَقَدْ أَلجَمَ الخطيُّ مَنْطِقَهُ بِسَكْتَة ٍ تَحْتَها الأَحْشَاءُ في صخَبِ

أَحْذَى قَرَابينه صَرْفَ الرَّدَى ومَضى يَحْتَثُّ أَنْجى مَطَاياهُ مِن الهَرَبِ

موكِّلاً بيفاعِ الأرضِ يُشرفهُ مِنْ خِفّة ِ الخَوْفِ لا مِنْ خِفَّة ِ الطرَبِ

إنْ يَعْدُ مِنْ حَرهَا عَدْوَ الظَّلِيم، فَقَدْ أوسعتَ جاحمها منْ كثرة ِ الحطبِ

تِسْعُونَ أَلْفاً كآسادِ الشَّرَى نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ قَبْلَ نُضْجِ التينِ والعِنَبِ

يا رُبَّ حوباءَ لمَّا اجتثَّ دابرهمْ طابَتْ ولَوْ ضُمخَتْ بالمِسْكِ لم تَطِبِ

ومُغْضَبٍ رَجَعَتْ بِيضُ السُّيُوفِ بِهِ حيَّ الرِّضا منْ رداهمْ ميِّتَ الغضبِ

والحَرْبُ قائمَة ٌ في مأْزِقٍ لَجِجٍ تجثُو القيامُ بهِ صُغراً على الرُّكبِ

كمْ نيلَ تحتَ سناها من سنا قمرٍ وتَحْتَ عارِضِها مِنْ عَارِضٍ شَنِبِ

كمْ كان في قطعِ أسباب الرِّقاب بها إلى المخدَّرة ِ العذراءِ منَ سببِ

كَمْ أَحْرَزَتْ قُضُبُ الهنْدِي مُصْلَتَة ً تهتزُّ منْ قُضُبٍ تهتزُّ في كُثُبِ

بيضٌ، إذا انتُضيتْ من حُجبها، رجعتْ أحقُّ بالبيض أتراباً منَ الحُجُبِ

خَلِيفَة َ اللَّهِ جازَى اللَّهُ سَعْيَكَ عَنْ جُرْثُومَة ِ الديْنِ والإِسْلاَمِ والحَسَبِ

بصُرْتَ بالرَّاحة ِ الكُبرى فلمْ ترها تُنالُ إلاَّ على جسرٍ منَ التَّعبِ

إن كان بينَ صُرُوفِ الدَّهرِ من رحمٍ موصولة ٍ أوْ ذمامٍ غيرِ مُنقضبِ

فبَيْنَ أيَّامِكَ اللاَّتي نُصِرْتَ بِهَا وبَيْنَ أيَّامِ بَدْر أَقْرَبُ النَّسَبِ

أَبْقَتْ بَني الأصْفَر المِمْرَاضِ كاسِمِهمُ صُفْرَ الوجُوهِ وجلَّتْ أَوْجُهَ العَرَبِ
______

القصيدة الثانية ;
_____________
((أبو تمام وعروبة اليوم ))
الشاعر/ عبدالله البردوني

مـا أصدق السيف! إن لم ينضه الكذب
وأكـذب السيف إن لم يصدق الغضبُ

بـيض الـصفائح أهـدى حين تحملها
أيـد إذا غـلبت يـعلو بـها الـغلبُ

وأقـبح الـنصر... نصر الأقوياء بلا
فهم.. سوى فهم كم باعوا... وكم كسبوا

أدهـى مـن الـجهل علم يطمئن إلى
أنـصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا

قـالوا: هـم الـبشر الأرقى وما أكلوا
شـيئاً.. كـما أكلوا الإنسان أو شربوا

مـاذا جـرى... يـا أبا تمام تسألني؟
عفواً سأروي.. ولا تسأل.. وما السببُ

يـدمي الـسؤال حـياءً حـين نـسأله
كـيف احتفت بالعدى (حيفا) أو النقبُ

مـن ذا يـلبي؟ أمـا إصـرار معتصم؟
كلا وأخزى من (الأفشين) مـا صلبوا

الـيوم عـادت عـلوج (الروم( فاتحة
ومـوطنُ الـعَرَبِ الـمسلوب والسلبُ

مـاذا فـعلنا؟ غـضبنا كـالرجال ولم
نـصدُق.. وقـد صدق التنجيم والكتبُ

فـأطفأت شـهب (الـميراج) أنـجمنا
وشـمسنا... وتـحدى نـارها الحطبُ

وقـاتـلت دونـنا الأبـواق صـامدة
أمـا الـرجال فـماتوا... ثَمّ أو هربوا

حـكامنا إن تـصدوا لـلحمى اقتحموا
وإن تـصدى لـه الـمستعمر انسحبوا

هـم يـفرشون لـجيش الغزو أعينهم
ويـدعـون وثـوبـاً قـبل أن يـثبوا

الـحاكمون و»واشـنطن« حـكومتهم
والـلامعون.. ومـا شـعّوا ولا غربوا

الـقـاتلون نـبوغ الـشعب تـرضيةً
لـلـمعتدين ومــا أجـدتهم الـقُرَبُ

لـهم شموخ (المثنى) ظـاهراً ولهم
هـوىً إلـى »بـابك الخرمي« ينتسبُ

مـاذا تـرى يـا (أبا تمام) هل كذبت
أحـسابنا؟ أو تـناسى عـرقه الذهبُ؟

عـروبة الـيوم أخـرى لا يـنم على
وجـودها اسـم ولا لـون.ولا لـقبُ

تـسـعون ألـفاً (لـعمورية( اتـقدوا
ولـلـمنجم قـالـوا: إنـنـا الـشهبُ

قـبل: انتظار قطاف الكرم ما انتظروا
نـضج الـعناقيد لـكن قـبلها التهبوا

والـيوم تـسعون مـليوناً ومـا بلغوا
نـضجاً وقـد عصر الزيتون والعنبُ

تـنسى الـرؤوس العوالي نار نخوتها
إذا امـتـطاها إلـى أسـياده الـذنبُ

حـبيب وافـيت من صنعاء يحملني
نـسر وخـلف ضلوعي يلهث العربُ

مـاذا أحـدث عـن صـنعاء يا أبتي؟
مـليحة عـاشقاها: الـسل والـجربُ

مـاتت بصندوق »وضـاح«بلا ثمن
ولـم يمت في حشاها العشق والطربُ

كـانت تـراقب صبح البعث فانبعثت
فـي الـحلم ثـم ارتمت تغفو وترتقبُ

لـكنها رغـم بـخل الغيث ما برحت
حبلى وفي بطنها (قحطان) أو(كربُ)

وفـي أسـى مـقلتيها يـغتلي (يمن
ثـان كـحلم الـصبا... ينأى ويقتربُ

»حـبيب« تسأل عن حالي وكيف أنا؟
شـبابة فـي شـفاه الـريح تـنتحبُ

كـانت بـلادك (رحلاً)، ظهر ناجية
أمـا بـلادي فـلا ظـهر ولا غـببُ

أرعـيت كـل جـديب لـحم راحـلة
كـانت رعـته ومـاء الروض ينسكبُ

ورحـت مـن سـفر مضن إلى سفر
أضـنى لأن طـريق الـراحة التعب

لـكن أنـا راحـل فـي غـير ما سفر
رحلي دمي... وطريقي الجمر والحطب

إذا امـتـطيت ركـاباً لـلنوى فـأنا
فـي داخـلي... أمتطي ناري واغترب

قـبري ومـأساة مـيلادي عـلى كتفي
وحـولي الـعدم الـمنفوخ والـصخب

»حـبيب« هـذا صـداك اليوم أنشده
لـكن لـماذا تـرى وجـهي وتكتئب؟

مـاذا؟ أتعجب من شيبي على صغري؟
إنـي ولـدت عجوزاً.. كيف تعتجب؟

والـيوم أذوي وطـيش الـفن يعزفني
والأربـعـون عـلى خـدّي تـلتهب

كـذا إذا ابـيض إيـناع الـحياة على
وجـه الأديـب أضـاء الفكر والأدب

وأنـت مـن شبت قبل الأربعين على
نـار (الـحماسة) تـجلوها وتـنتخب

وتـجتدي كـل لـص مـترف هـبة
وأنـت تـعطيه شـعراً فـوق ما يهب

شـرّقت غـرّبت من (والٍ) إلى ملك
يـحثك الـفقر... أو يـقتادك الـطلب

طوفت حتى وصلت (الموصل( انطفأت
فـيك الأمـاني ولـم يـشبع لها أرب

لـكـن مـوت الـمجيد الـفذ يـبدأه
ولادة مـن صـباها تـرضع الـحقب

»حـبيب« مـازال فـي عينيك أسئلة
تـبدو... وتـنسى حـكاياها فـتنتقب

ومـاتـزال بـحـلقي ألـف مـبكيةٍ
مـن رهبة البوح تستحيي وتضطرب

يـكـفيك أن عـدانـا أهـدروا دمـنا
ونـحن مـن دمـنا نـحسو ونـحتلب

سـحائب الـغزو تـشوينا وتـحجبنا
يـوماً سـتحبل مـن إرعادنا السحب؟

ألا تـرى يـا »أبـا تـمام« بـارقنا
(إن الـسماء تـرجى حـين تحتجب
_______

القصيدة الثالثة;
__________
(العروبة ... وبوح العلامات)
المدعو/ ياسين محمد البكالي

لا أحسبُ السيفَ يأتينِي ولا الكُتبا
بالصدقِ ؛ أمّا لماذا فاسألا العرَبا

فالسيفُ يَخفتُ عُزماً إن يدٌ قبضتْ
عليه واستَشعرتْ مِن بعدهِ التعبا

ويفشلُ الحبرُ والأقلامُ إن عبثتْ
به أيادٍ توشَّى عقلُها الطربا

كلاهُما يا أبا تمام قد وُضِعا
في موضِع الشكِّ إن جدّا وإن لعِبا

الصدقُ أشرف طُهراً أن نسيءَ له
وليس يحتاجُ في إشراقهِ سببا

فهل ترى البَرَدَوْنِي حلَّ عُقدتَها ؟
فالأمرُ يزدادُ من أحوالِها عجبا

إني بَصُرتُ بما لم تبْصُرا فبدتْ
ضرّاؤنا نفسها تستعذبُ الكذبا

إليكما جئتُ يا أحبابُ في عجلٍ
شوقاً وأحملُ في أعماقي الغضبا

أتيتُ أزحفُ فوقَ اليأس نحوكما
والجمعُ والطرح ما أبقوا لهُ أدبا

فجاءَ يُمعنُ في ضربي ـ وضاعَ على
نهاية الحُلم عنه ـ كل ما حسَبا
***
بالكسْرِ جاء أبو تمّام يُتحفُنا
وضمَّ في يدهِ (أُستاذُنا ) الكُتبا

لكنْ فتحتُ لأنّ الفتحَ ينقصُنا
ثلاثةٌّ هل تُرانا نُحسنُ الأدبا

وفدتُ أطلبُ من سُمر القنا رجلاً
ما راعَهُ الموتُ حتى يأكلَ الرُطبا

فأهْدرَ الجُبن بينَ الفاجعاتِ دمي
وهبَّ يرمي على آفاقيَ الشُهبا

بارتْ تجارةُ أقوامي وما ربحتْ
في الرحلتينِ ـ لأنّ الصدقَ قد غرُبا

وأشنعُ الربح ربحُ البطن ـ إن مُلئَتْ
كالنار تجعلُ من أصحابها حطبا

ها نحنُ نبحثُ في الظلماء عن قدرٍ
والعزمُ يخشى لدى أحشائِنا العَطَبا

ونحتفي بلغاتِ الليل إن نطقتْ
نُزحزحُ الفجرَ عنا كلما اقتربا

مليون عبدٍ إذا أُلقُوا على أُحُدٍ
لما كفى هندُ أن تستقبلَ السلبا

ما أخطأ الرملُ ضرباً في كهانتهِ
وهِمّةُ الصدق لا تستعذبُ العِنبا

لكنْ إذا أنكرَ الجُنديْ مروءتهُ
تغدو الكهانةُ في أكتافِهِ رُتبا
***
يستفحلُ الداءُ ما دامَ العدوُّ هنا
مَن أودعَ الداءَ فينا وقتَما ذهبا

فلا ابنُ سينا سيَجدِي في طريقتِهِ
ولا ابنُ سيرينَ مسروراً بما ضَربا
***
وضعتُ في جُعبتي (سيفاً وقافيةً)
وجئتُ أسحبُ في آثاريَ الحُقبا

إلى دياركَ يا ابن الضاد إن صدقتْ
أبوَّةُ التّبْر لما يَنهمي ذهبا

ها أنتَ نشوانَ تُلقي الحزنَ في كبِدي
يُلملمُ المجدُ من عينيكَ ما سَكبا

(مرضى) الحضارات ليس الطبُّ ينفعُهم
دواؤهُ (الصفعُ) من يستوردُ الخشبا

عصماءُ ـ إنّ صفيرَ الليلِ يُفجعني
وضفّةُ الحزنُ منها خاطري ارتعَبا

هاتِ اليراعَ لأجلو فيهِ مِئذنةً
يُجلجلُ القلبُ فيها كلما انتحَبا

لكي أسِنَّ من المنفى قوانيناً
تُنفي مِن الأرض مَن عن أرضِنا اغتَربا

وقد يمرُّ دهائي تاركاً "عُمَرَاً"
يرثي على حظهِ في القوم حين صبا

وأصنعُ العُربَ في التوراةِ مائدةً
ما راقَ منها يهوديٌّ بما كسَبا

أو نعجةً في حمى الأنجيلِ ساحَ بها
سُمُّ الأفاعي وكم أهمى وكم حلبَا

قد يغلبُ الرومُ من بالأمس يغلبُهم
فهل سيغلبُ عربيٌّ إذا غُلبا ؟!

إن كانتِ النكسةُ الأولى هزيمتَنا
فالنكسةُ اليوم دينٌ فوقَنا صُلبا

اصفَرَّ فِكرُكَ يا ابنَ الضادِ في لُغتي
والصفرُ أكبرُ تمثالٍ لمن رسَبا

رسبتَ في مادةِ التأريخ يا ابن أبي
قل لي بربِك من أملى ومن كتبا ؟ 

اللّاتُ ما غادرتنا كي نُقبّحَها
فها هوَ الخزيُ في ساحاتِنا نُصبا
***
طفقتُ أُبعِدُ قلبي عن مشاورتي
وأختفي بين حزني كلما طلبَا

فسُدَّةُ الحُكم قد سُدَّتْ كرامتُها
لما استعارتْ برأسِ الحاكمِ الذنَبا

يا قومُ فاحتْ شجوني للسنَا ألقاً
وأنتمو تسألونَ الغربَ ما جلبا !

أسلمْتُ أمري إلى خجلِي وقلتُ هُنا
لا يَصدقُ القلبُ إن إيمانُه نَضُبا

بُعِثتُ من أين ؟ لا أدري فقد جهِلتْ
عيناي طرفاً تَغاضى كلّما نُكِبا

حتّى عوى الويلُ حُزناً في منازلهِ
وأرهقَ الذلُ من يمشي ومن ركِبا

تسعونَ عاماً مكَثنا فوقَ حيرتنا
نُسقي بِقِيح الصدا سيناءَ والنقَبا

وهَمْهمَ القاتُ في صنعاءَ مُنتظِراً
زيتَ الكرامةِ كي يَلقى بهِ حَلبَا

نسيتُ يا سادتي واللهُ يشهدُ لي
فوضعُنا قد أضاعَ العرق والنسَبا

طالَ النعاسُ على جفنيهِ فانطفأتْ
فيهِ الشهامةُ تَمحُو البأسَ والهُدُبا

ما زالَ في قمّةِ التزيِيف مُرتبكاً
شأنُ الغبيِّ إذا في عقلِهِ اغتُصِبا

إنّ البليدَ بليدٌ في تَمكُّنهِ
تُبدِي سجاياهُ ما أخفى وما حجَبا

إلى الصديقينِ ـ عُذراً جارَ ضيفُكُما
والقلبُ حقّاً على أيديكُما تَرِبا
___
2000م
_______
ملحوظتان أخيرتان;
1- هذا النص كتبتُه منذ 20 عاماً في أُولى محاولاتي وخربشاتي الشعرية ولذلك فليعذرني القارئ الكريم إن وجدَ فيه هناتٍ هيّنات وبعض المثالب العروضية وبساطة الصورة الشعرية.
2- كتبت هذي القصيدة قبل أن أقرأ القصيدتين للشاعرين الكبيرين كامِلتَين وأنما حصلت على بعض أبيات للبردوني وثلاثه ابيات من قصيدة أبي تمام أثناء حوار عابر مع ضابطٍ مثقفٍ من تعز كان جاراً لي وخطرتْ حينها في رأسي فكرة مُعارضة القصيدتين ؛ وقصيدتي موجودة في أول مجموعاتي الشعرية ( همسات البزوغ ).
_____
ورحمَ اللهُ الشاعرين الكبيرين والضابط أيضاً.

منقول من صفحة الشاعر الكبير ياسين البكالي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شرح قصيدة مصطفى للشاعر عبدالله البردوني

هذا ليس دونالد ترامب الذي انتخبته أمريكا" - نيويورك تايمز.

نسخة جديدة من برنامج الذكاء الاصطناعي لحل المعادلات الرياضية والتفاعل مع مشاعر البشر