عبد الباري عطوان
تجدد الغارات الجوية السعودية على المدن اليمنية الشمالية، وتوعد العميد يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم حركة انصار الله الحوثية، بأن الرد على هذا التصعيد سيكون كبيرا جدا دون ان يحدد ماهيته، يوحي بأن حرب اليمن مقدمة على تطورات خطيرة جدا في الأيام القليلة المقبلة.
الغارات المذكورة استهدفت في الأيام القليلة الماضية عدة مدن كبرى ابرزها العاصمة صنعاء وصعدة وعمران وذمار والجوف، وأوقعت خسائر في الأرواح علاوة على الدمار المادي في عودة غير متوقعة لأيام الحرب الأولى، وهناك العديد من المراقبين يربطون بينها والمعارك الشرسة الدائرة حاليا في مأرب المحاصرة من قبل قوات “انصار الله” التي تحقق تقدما مستمرا، وباتت على وشك السيطرة على مركز المدينة.
الامر الآخر اللافت هو ادانة مجلس الامن الدولي بالإجماع اقتحام عناصر محسوبة على الحركة الحوثية للسفارة الامريكية في العاصمة ومطالبته بإطلاق جميع الموظفين المحتجزين، وهذه هي المرة الأولى التي تحدث هذه السابقة، الامر الذي طرح العديد من التساؤلات عن السبب والتوقيت.
***
مصدر يمني موثوق اكد لنا ان تكثيف التحالف السعودي لغاراته في الأيام القليلة الماضية يعكس حالة من اليأس والارتباك، بعد الخسائر الكبيرة التي مني بها حلفاؤه في مأرب أولا، والساحل الغربي ثانيا، تجنبا لهجوم كاسح لقوات “انصار الله” يمكنها من استعادة السيطرة بالكامل على مدينة الحديدة، بعد انسحاب قوات الشرعية، وأخرى مدعومة اماراتيا من مواقعها في جنوب المدينة.
السيطرة على الحديدة، والساحل الغربي، يعني امرين أساسيين، الأول التحكم بخطوط التجارة البحرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والثاني، ازالة معظم العقبات العسكرية امام أي محاولة للهجوم على مدينة عدن، واستعادة السيطرة عليها بالتالي اذا ما صدر القرار بذلك.
ما يقلق التحالف السعودي حدوث تغيير في الاستراتيجية الحوثية مع اقتراب الحرب من اكمال عامها السابع، والانتقال من مرحلة الهجوم على الأهداف والبنى التحتية الاقتصادية الى مرحلة ضرب اهداف مدنية في العمق السعودي، كرد على الغارات الجوية التي أوقعت خسائر بشرية كبيرة في صفوف انصار الله خاصة على جبهة مأرب، ولعل اعتراف مصدر من الحركة بمقتل 14700 من عناصرها في الاشهر الخمسة الماضية فقط، واصابة ثلاثة اضعاف هذا الرقم، يأتي تمهيدا لهذه الاستراتيجية الجديدة، تبرير وقوع أي خسائر مدنية بأرقام كبيرة في الجانب السعودي.
كان لافتا ان القصف الحوثي بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية لمطارات ابها وجازان ونجران وعسير في الأسابيع الأخيرة اسفر عن مقتل العديد من العاملين، او المارين عبرها، في رسالة واضحة للسعودية، تقول مفرداتها ان مقتل مدنيين في صفوفنا سيتم الرد عليه بالمثل ان لم يكن اقوى.
القيادة السعودية تتكتم على خسائرها، بشرية كانت او اقتصادية، لتجنب حدوث بلبلة في أوساط الرأي العام، وحصر الحرب في ما يسمى بالحد الجنوبي، ولكن المصادر اليمنية في العاصمة صنعاء تؤكد ان الهجمات الصاروخية المقبلة ستغير الكثير من المعادلات في هذا الصدد.
عندما سألنا مصدر حوثي رفيع المستوى عن خريطة الحرب في مرحلة ما بعد مأرب، التي اكد ان سقوطها مسألة أيام معدودة، قال بكل ثقة انها المدن السعودية الجنوبية التي اكد هويتها اليمنية اتفاق الطائف الذي كان الغاؤه غير شرعي على الاطلاق.
***
كشف “انصار الله” عن حدوث هجمات إسرائيلية على بعض أهدافهم في الساحل الغربي البحر الأحمر، دون إعطاء تفاصيل، ربما يكون إشارة مهمة الى وجود خطط مستقبلية بهجمات صاروخية على سفن او ربما مصالح تجارية اسرائيلية، وربما يفيد الإشارة الى ان بريطانيا وامريكا اتهمتا حركة “انصار الله”، وليس الإيرانيين، بالهجوم بالمسيرات على ناقلة إسرائيلية في بحر عمان قبل شهرين، وارسال الأولى، أي بريطانيا، قوات خاصة الى المهرة لمتابعة المنفذين، والقاء القبض عليهم او قتلهم.
الحرب في اليمن مقدمة على تصعيد عسكري غير مسبوق، وتغيير في المعادلات على الأرض، خاصة بعد تسرب أنباء عن حالة الإحباط الكبير التي تعاني منها القيادة السعودية حاليا تجاه معظم حلفائها اليمنيين، وبدئها في البحث عن بدائل لهم، تقليصا للخسائر، وعلى امل وقف انتصارات حركة “انصار الله” ولعل البيان الذي وقعته ستة احزاب يمنية رئيسية وتتهم فيه التحالف السعودي بخذلانهم في حرب مأرب يشي بالكثير في هذا المضمار.
تعليقات