أ.د.عبدالملك منصور المصعبي - مِنْ أجلِ أنْ نُحَققَ السلامَ الداخلي لأنفسنا
119 - مِنْ أجلِ أنْ نُحَققَ السلامَ الداخلي لأنفسنا
الأستاذ الدكتور عبد الملك بن منصور بن حسن المصعبي
واتس أب :
+1(949)299-6880
إذا وَصَلَ المؤمنُ إلى مرحلةٍ يشعرُ فيها بعدم قدرته على الإلتزام بمتطلبات التدين ، فتلك بدايةٌ لصِرَاعٍ نفسي قد يطول وللتعافي منه لابد من معرفة السبب .
إنه يُحِبُ الدينَ ويريد أن يُمَارسَه في حياته لكنه في ذات الوقت يجدُ فطرَتَه تصطدِمُ بهذه المحرمات التي وُضِعَتْ في طريق التدين كما يضعون ( المطبات) على طريق المتهورين في قيادة سياراتهم لعلهم يخففون السرعة.
لذلك فهو يتساءلُ ويتعَجَبُ فلعل ما قُدِمَ إليه على أنه دينٌ ليس كذلك أصلاً ، ولعل ما قيل له أنه حرامٌ ليس حراماً أصلاً .
أمامَه والحالة هذه إما أن يستمر في ممارسة هذا التدين رغم أن الإحساس بالتناقض بل الصراع الداخلي يُفسِدُ عليه تدينَهُ ، ويذهبُ براحته و - أحياناً - يقض مضجعَهُ .
أو أن يرفض التدين كلَهُ فهو لم يحقق له الأمنَ الروحي والسلامَ الداخلي .
ولكنه بين فترةٍ وأخرىٰ يشتاقُ إلى مُعَانَقةِ نسماتٍ روحية شذية تُنعشه ، و يُعكِرُ عليه أن تلك المُعانقة قد ربطها تجارُ الدين بمجموعة من الألتزامات. فِطْرَتُهُ تأباها ، بل ترفضُها أحياناً ، وإن كان رفضاً داخلياً لا يخرج إلى خارج كِيانه . لكنه إذا زاد عليه الضغطُ الخارجي بمتابعة مَنْ يرون أنفسَهم ممثلي الله في الأرض ، وزادتْ في داخله صِراعاتُ التناقض يتفجرُ كالبُركان لا يُبقي ولا يذر.
إنني أعتقد أن المهمة الدائمة للدين - أي دين - في حياتنا هي أن نرتاح نفسياً أولاً ، أما الراحة الحسية الجسدية فهي نتاج ُ تفاعل الإنسان ( بشقيه) مع المحيط أخذاً وعطاءً ، وهو تفاعلٌ يُحاولُ فيه الإنسانُ أن يستصحبَ معه - قدرَ إستطاعته - القِيَمَ التي يؤمن بها .
علاوةً على أن الراحةَ النفسية طويلة الأمد لأنها مرتبطة بالسعادة ، والراحة الجسدية قصيرة العُمر دائماً سواء كانت حلالا أم حراماً لأنها مرتبطة بالمتعة ، والمتعةُ دائماً قصيرة العمر مهما حاولنا إطالتَها ، بينما السعادةُ تبقى في النفس والوجدان وقتاً طويلاً ، ثم بتحولها إلى ذِكرىٰ تكتسبُ طولَ عمرٍ جديد .
لذلك فالعاقِلُ الباحثُ عن السعادة يجعلُ متعتَه من النوع الخالي من الحرام فهو بذلك يَسعَدُ بها أثناء ممارستها ثم تبقى حلاوتُها مُصاحِبَةً له ، و كلما تذكرها شعر بالسعادة والغِبطَة والظَفَر وزهو الإنتصار على كل مساءة ، علاوةً على ما ينتظره من الجزاء في الدار الآخرة .
والمِثَالُ يُوَضِحُ المقال : دولاب الحياة الإقتصادية مبنيٌ على التنافس المحكوم بقوانين السوق . لكن تجار الدين يضعون عصاً في ذلك الدولاب فيضطرب سيرُه وربما يتوقف ، أعني بذلك ما شنوه - ولا يزالون - من حرب على ما سَموه " الرِبا" .
وهم شدو لِحافَ الماضي وغطوا به الحاضرَ والمستقبلَ ، فماضي الإنسان مع الربا كان مؤلِمَاً جارِحَاً مُهيناً بالتأكيد ، إذ تحكي لنا مصادر التاريخ كيف كان الإنسانُ يستلفُ لسد جوعته على أن يسدد في الأجل المضروب فلا يستطيع فيُضاعفون عليه الفوائد إلى أن تصبح أضعافاً مضاعفةً . وتلك وحدها قاصمةُ الظهر فكيف إذا أضيف اليها إضطراره الى التخلي عن بيته ودُرر ماله حين إعلانهم إفلاسه .
والحال هكذا فالرافضون للربا وهو بهذه البشاعة على حقٍ لا ريب . لكن الحل هو إيجاد نظام إنساني عادل يلبي للمحتاج حاجتَه وفي نفس الوقت يسمح لدولاب الحياة الإقتصادية بالإستمرار في الدوران والسير وِصُولاً الى تحقيق أهدافه في خدمة الإنسان والأرض.
أما النظرةُ الى الإقتصاد القائم الحالي من خلال نظارة عدساتُها من الماضي فلا تصلِحُ الإقتصادَ ولا تنفعُ الإنسانَ ، لابد من حَلٍ تسوده الروحُ الإنسانية لكل إحتياجات الإنسان و البيئة .
في المشرق إنشغل تجارُ الدين دهراً بمحاربة البنوك - وهي عِمَاد فاعلٌ في الحياة الإقتصادية - و أنشأ فريقٌ منهم ما سَموه البنك الإسلامي و أطلقوا على بقية البنوك تسمية " البنوك الربوية" ، ثم هذه البنوك الجديدة تسير على نفس منهاج البنوك المعروف غير أنها جعلتْ نِسبة الفائدة ليستْ ثابتةً ، بل الأنكىٰ من ذلك أن البنوك الإسلامية تضعُ ما يتجمعُ لديها من أموالٍ على شكل ودائع في البنوك الأخرى وتأخذ عليها فائدة أعلى مما تعطيه للمودعين .
وإذا بحثتَ تجدُ أن البنوك الإسلامية قد إتخذتْ لها مجالِسَ مرجعية من علماء الدين الذين يُتاجرون به ويقبضون نظيرَ ذلك مكافآتٍ ضخمة ويصدرون مقابلها فتاوى مستمرة متواترة بتحريم الفائدة وتحريم التعامل مع البنوك التجارية ووجوب التعامل مع البنوك الإسلامية .
وكل عاقل - فكيف إذا كان باحثاً - يستطيع معرفةَ أن تحريمَ الربا قد تم يومَ تم على الربا في الذهب والفضة والمواد الأساسية الغذائية ، وأما بقية الأشياء فالتجارة مباحةٌ بها والربح ولو تعاظم لا غضاضة فيه . فإذا وُجد نظامٌ يهتمُ بالفقراء و الضعفاء كنظام التأمين الإجتماعي والرعاية بعد التقاعد ، و تم وضع الإحتياطات التي تجعلُ التجارةَ جالِبَةً للنفع لأصحابها وغيرَ ضارة بجمهور الناس ، فإن على الحياة حينئذٍ أن تنطَلِق بلا توقف فقد زالت القيود . والحمد لله رب العالمين .
أيتُها السيدات أيُها السادة
من أجل أن نحقق السلامَ الداخلي لأنفسنا علينا أن نعيش الدينَ في حياتنا طَرباً لا كُرَبَاً .
علينا أن نعيش مُنسجمين بين قناعاتنا وواقع حياتنا .
علينا أن نعيش حياتنا مستمتعينَ بعمق لتكون مكافأتُنا : السعادةُ بلا إنقطاع.
🌺 اللُغة :
⁃ الرِبا الزيادة والنمو والإنتفاخ بعد الإختمار .
⁃ الربا كسبٌ بدون مقابل مادي وفيه معنى الغصب ( الكواكبي) .
⁃ الرباء بالهمزة الفضل والمنة و الجميل .
الدكتور عبد الملك منصور حسن المصعبي
تعليقات