أ.د. عبدالملك منصور .. التعايش بين الأديان..

 

الأستاذ الدكتور عبد الملك بن منصور بن حسن المصعبي

واتس أب :

+1(949)299-6880

     القارئ للقرءآن الكريم يلاحظ تأكيدَه على أن الدين المقبول عند الله هو الإسلام ( إن الدين عند الله الإسلام ) آل عمران 19 

و ( مَنْ يبتغِ غيرَ الإسلام ديناً فلن يُقبَل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) آل عمران 85 

     فما المقصود بالإسلام ؟ 

     نجد في القرءآن الكريم تأكيداً على أن كل الأنبياء جاءوا بدعوة الخَلْق إلى الإسلام ، ذلك كان في البدء ثم تعددتْ مبررات الأقوام لتحويل الدين إلى دين محلي ومرتبطٍ بأشخاصٍ محليين . فتعددتْ الأديان وتعلّق كلُ قومٍ بإسم الرسول الذي بَلَّغَهُم رسالةَ الله وأصبحوا يُنْسَبون إليه . لكن هذا التعدد كان ينبغي أن يكون على قاعدة الإخوّة ، فالدين الأصل كأنه شجرة وهذا التعدد أغصانُها ، لكن العكس هو الذي حصل فقد تنافرتِ الأديانُ وتبارىٰ الأتباعُ في إظهار عيوب أديان بعضهم بعضاً وكان الخلافُ كثيراً يتجاوزُ عتبةَ الخلاف في الرأي إلى الإحتراب .

    ووظَفَ كلُ دينٍ طاقاتِه ضد الآخر أثناء الإحتراب وأثناء السِلْم . لكن القرءآن الكريم - علىٰ عكسهم جميعاً - كان واضحاً في موقفه من تعدد الأديان فقد إعترف بها جميعاً ونظر اليهم على أنهم إخوة جميعهم يسعون إلى هدف واحد وهو إسعادُ الإنسان وإصلاح حياته ، بل إنه قد عامل فئاتٍ لا دينَ لها - من وُجهة نظر بقية المتدينين - على أنهم فئة موازِنَة للفئات الأخرى وهم المشركون والمجوس.

 • " إن الذين آمنوا ، والذين هادوا ، والنصارىٰ ، والصابئين . مَنْ آمنَ بالله واليوم الآخر وعمل صالِحَاً ، فلهم أجرهم عند ربهم ، ولا خوفٌ عليهم ، ولا هم يحزنون " البقرة 62

 • " إن الذين آمنوا ، والذين هادوا ، والصابئون ، والنصارىٰ ، مَنْ آمنَ بالله واليوم الآخر وعملَ صالِحَاً فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون " المائدة 69

 • " إن الذين آمنوا ، والذين هادوا ، والنصارىٰ، والمجوس، والذين أشركوا، إن اللهَ يفصِلُ بينهم يومَ القيامة ، إن الله على كل شيئٍ شهيد" الحج 17

   ويُلاحظُ أن القرءآن الكريم في الثلاثة المواضع ذكرَ كلَ الأديان التي كانت قائمةً حينئذٍ ، ولعلَ آية سورة الحج أجابتْ على سؤالٍ : وماذا عن المجوس والمشركين ؟ و السؤال ينبني على ما لاحظهُ السائلُ من وجود فوارق بين الأديان جميعاً وبين هاتين الفئتين ، فكانت إجابةُ القرءآن الكريم : أَنْ دَعُوا الحُكمَ على غيركم ، ولا تشغلوا أنفسَكم بالفَصل بينهم فتلك مهمةُ الله سبحانه وتعالى وليستْ مهمتكم : " إن اللهَ يَفْصِلُ بينهم يومَ القيامة" . إذن فلكم في هذه الدنيا مهامٌ فإنشغلوا بها وليس منها الفصلُ بين هؤلاء وأولئك مَنْ هو الذي على حق ومَنْ هو الذي على باطل . ومَنْ سيدخلُ الجنةَ ومَنْ سيدخلُ النارَ ، وإذا فعلتُم ذلك أو بعضَه فأنتم تتدخلون في شيئ إختصهُ اللهُ تعالىٰ لنفسه. 

      هذه الأديان القرءآنُ الكريمُ يعترفُ بها جميعاً فلا تتدخلوا في إختصاصات ربنا . اللهُ وحدَه سيفصِلُ في هذه القضية ، ولن يفصلَ سبحانه في هذه القضية في هذه الحياة وإنما في الآخرة . إذن ففي هذه الحياة على الجميع أن يعترفوا ببعضهم ، وأن يتعاونوا في كل ما يعودُ بالنفع المشترك عليهم جميعاً . 

     لقد صَرَفَ المتدينون بتلك الأديان كثيراً من أعمارهم في محاوَلَة إثبات بطلان أديان بعضهم بعضاً ، بل وفي إثبات أن أهل الأديان سيدخلون النارَ إلا الذين على ديني . أنا وحدي والسائرين على دربي سندخلُ الجنةََ 

أما الآخرون ففي النار. 

     ينتابُني عجبٌ كبيرٌ كيف إستساغ أحدُهم أن يتكلم على مصير الآخرين وهو لا يستطيعُ ضمانَ شيئٍ لنفسه ، ألم يكن الصواب هو الإهتمامُ بالذات و إصلاحها ومُراكمة رصيد ينفعه في الدنيا ثم في الآخرة ؟ 

     لا يوجدُ أحدٌ له حق تمثيل الله سبحانه والنُطق بلسانه ، حتى الرسل والأنبياء لم يَقُلْ أحدٌ منهم أنه ينطِق بإسم الله تعالىٰ.

     لكن تُجار الدين قد عَكَروا هذا الصفاء الأخوي بين الأديان ليضمنوا لأنفسهم مصالِحَ يجدونها ويحصلون عليها عند وجود الخلافات بين الأديان . لذلك فهم يتصدون لإصدار الفتاوى التي تحوِلُ الدينَ إلى عصبيةٍ ضيقةٍ تضيقُ بالأديان الأخرى رغم تأكيد القرءآن على الإخوة بينها _ كما سبق بيانُهُ - ولأن مصالحَهم تزدادُ أثناء الحروب فهم لا يَفْتُرُون عن صناعة الفتن بإسم الدين فهم إذن تجار الدين وتجار الحروب معاً.

      ورغم أن الأديان جميعاً بما فيها الإسلام لا تَنُصُ على وجود رجال دين . فاننا نجدهم قد فرضوا أنفسهم على حياتنا في كل الأديان وكَوَنوا لهم طبقةً متميزةً ، ونطقوا بإسم الله تعالى ، ثم زَاد إفتراؤهم فسَلَبوا كثيراً من أجهزة الدولة حقها في التعبير ، فتكلموا وهم رجال دين في :

 • الطِب ففي رأيهم مع وجودهم لسنا بحاجة إلى أطباء ولا وزارة الصحة

 • وفي المواد الغذائية مع أنه إختصاص الصحة وحماية المستهلك .

 • وفي الأدوية وهو إختصاص الأطباء والصيدلانية ، و هكذا في كل العُلوم . وسَلُوا السَيفَ لتأديب المخالِف وإستخدموا التكفيرَ للآخرين ولكل مَنْ لا يُوَافقهم .

      بل لقد أقام رجالُ الدين أحلافاً مع المستبدين فهم يُفَصِلُونَ لهم طلباتهم من الفتاوىٰ ولكل فتوى ثمنها بالوزن . 

وأقاموا تحالفَاً غير مرئي مع تجار المخدرات والسلاح بل تاجرَ بعضهم بها بسبب عائدها المالي المغري ، وهؤلاء ليسوا مقصورين على دين واحد بل لقد عمتِ البلوى بهم كلَ الأديان .

     إنني أحلُمَ أن :

 • نصلي صلاتنا في معابد الأديان الأخرى.

 • ويصلي أصحابُ كل الأديان صلواتهم في مساجدنا. 

 • نتبادلُ مع أهل الأديان كل المعلومات الدينية الخاصة بهم والخاصة بنا ولا يُخفي أحدٌ عن الآخر شيئاً ، وهذه مقدمةٌ لتحديد نقاط الإختلاف التي تتحول الى نقاط إحتقان ، ومعالجتها من قِبَلِ الجميع بروح الأخوة الإنسانية الجامعة بيننا.

 • نأكلُ طعامَهم ويأكلون طعامنا.

 • نتزوجُ منهم .

 • نزورهم ويزورونا. 

إننا إخوة وكلنا بالله مؤمنون .

الدكتور عبد الملك منصور حسن المصعبي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شرح قصيدة مصطفى للشاعر عبدالله البردوني

هذا ليس دونالد ترامب الذي انتخبته أمريكا" - نيويورك تايمز.

نسخة جديدة من برنامج الذكاء الاصطناعي لحل المعادلات الرياضية والتفاعل مع مشاعر البشر