ريمة ... المدلول والمعالم والحدود ... من صفحة المؤرخ/حيدر علي ناجي العزي
حيدر علي ناجي العزي
ريمة.. المدلول والمعالم والحدود 1-2
1. يتساءل كثيرون عن ريمة أسئلة كثيرة، منها ما يتعلق بالاسم نفسه، لماذا سميت ريمة بهذا الاسم؟ وهل هو قديم جدا أم في العصر الإسلامي؟ وما معناه؟ هل له مدلول لغوي أم جغرافي أم تاريخي أم سلالي؟ وإذا لم يكن قديما فما الاسم السابق لها؟ ولماذا تحولت إلى ريمة؟
2. ومنها ما يتعلق بالإقليم وامتداده، هل كانت ريمة جزء من إقليم اليوم أم أكبر منه؟ وهل كان هذا الجزء الذي نسبت إليه ريمة، مدينة أم حصنا أم واديا أم جبلا؟ وأين يقع هذا الجزء اليوم؟
3. ومنها ما يتعلق بحدود ريمة هل هي ثابتة كما هي اليوم أم تغيرت زيادة أو نقصانا وما هي الظروف التاريخية التي ساهمت في هذا التغيير.
4. هذه الأسئلة وغيرها شغلتني وشغلت غيري ممن كانوا يلحون بأسئلتهم فكان لابد من بذل الجهد المضني للبحث في مختلف المصادر الميدانية والمكتوبة فكانت هذه الحصيلة:
المدلول اللغوي:
يعتقد البعض أن لاسم ريمة دلالة على هذا الارتفاع الشاهق في الجبال أو تعقد التضاريس أو المناخ أو الموقع بينما يعتقد البعض الآخر أنه لا يوجد أي رابط جغرافي بين الاسم ومعالم المنطقة؟ أو بالأصح لا يوجد أي مدلول لغوي بين الاسم والمكان... فأيهما الأصح؟
عدنا إلى لسان العرب باعتباره من أكثر القواميس العربية استيعابا لمفردات ومعاني اللغة العربية وقي مادة(ريم) وجدنا كثيرا من المعاني منها: البراح، والإقامة في المكان، وآخر النهار، والقبر أو وسطه، والظبي الأبيض الخالص البياض، والضراب وهي الجبال الصغار، والزيادة والفضل، ويقول، والريم: الدرجة أو الدكان، يمانية. كما يذكر أن ريمان موضع ، وتريم موضع. وريم موضع قرب المدينة.
وهكذا لا نجد دلالة لغوية على المعالم الجغرافية للمنطقة، وهذا لا يعني عجز اللغة العربية عن استيعاب مفردات الماضي كله، بل أن مشكلة القواميس العربية كلها أنها اقتصرت على جمع مفردات ومعاني اللغة العربية في وسط الجزيرة ولم تهتم باليمن إلا ما كان متداولا هناك ومنسوبا إلى اليمن تم ذكرها. كالذي ذكرها ابن منظور آنفا وفسرها بالدرجة أو الدكان ونسبها إلى اليمن، الأمر الذي يجعل الاعتماد على هذه القواميس ضربا من التخمين والتعسف أو الترجيح، خصوصا في المفردات السبئية القديمة. إذ لا يمكن الجزم بأن هذه الجبال تعني الدكان إلا إذا كان للدكان مدلول آخر، ربما نميل إلى معنى الجبال الصغار إذا كانت التسمية جاءت من تهامة وأطلقت على جبال الحواز الغربية ثم تمت السيطرة على الجبال العالية فيما بعد. وربما تعني الدرجة إذا افترضنا أنها سميت بذلك لتدرجها من سهل تهامة إلى قمم الجبال غير أنها كلها اجتهادات لا ترقى إلى اليقين أو الترجيح.
5. المدلول التاريخي:
وحيث عجزت قواميس اللغة العربية عن تفسير المعنى فإنه يتحتم علينا البحث عن ميدان آخر للتفسير حيث يمكن دراسة المعنى من خلال التعرف على مواقع المشتقات لمصدر (ريم) داخل ريمة نفسها من خلال أسماء الأماكن الباقية إلى اليوم ومعرفة الرابط بينها وتعزيزها بالمشتقات الموجودة في مناطق أخرى غير ريمة، ومن ثم نتبع اسم ريمة في مناطق أخرى لمعرفة ما تحمله هذه الأسماء من دلالات وروابط تاريخية على اعتبار أن التجمعات البشرية قد نشأت في هذه المحلات وأطلقت عليها أسماء معروفة بمعانيها لدى الجميع.
أولا: بالنسبة للأسماء المشتقة من اسم ريمة نجد في ريمة نفسها، عزلة الريم، وجبل ريم وقرية أريمة وأريم وأريوم، وذ ريم، وذ ريمة، وريمة، ولا يوجد فيها أي رابط من حيث المساحة أو الارتفاع غير أن معظمها جبلية.
ثانيا: هناك مشتقات للاسم نفسه في مناطق مختلفة، ومنها يريم، وتريم، وريمان، فالأول والثاني على وزن المضارع المبدوء بالياء أو التاء. والثالث معرف بالنون كما هي قاعدة التعريف في اللغة السبئية. وكما أن يريم جبلية وريمان حصن في بعدان، وآخر مشرف على المذيخرة فإن تريم سهلية على وادي حضرموت محاطة بالجبال.
ثالثا: إن ريمة لا تقتصر على منطقة ريمة (موضوع الدراسة) وحدها، بل تطلق على عدد من الأماكن تختلف في الحجم والمساحة والارتفاع من منطقة إلى أخرى وهي كما أورها المقحفي:
1- ريمة المناخي بلدة وجبل وحصن فوق المذيخرة.
2- ريمة حميد من قرى سنحان.
3- ريمة جبل في بني قيس الرضمة إب.
4- ريمة بلدة ووادي في مديرية ناطع البيضاء.
5- ريمة في بني السياغي الحيمة الداخلية.
6- ريمة قرية في منطقة عيال حاتم جبل عيال يزيد.
7- ريمة وادي في جنوب شبوة.
8- ريمة وادي في عقبة غيل باوزير حضرموت.
9- ريمة وادي يمين ميفع حضرموت.
10- ريمة حصن في ضورات تسمى ريمة الصغرى.
ومن مجموع هذه الأسماء ومواقعها يمكن أن ندرك فرقا أو رابطا، فجميع الأماكن المسمى "ريمة" أو مشتقاتها في السلسلة الجبلية الوسطى "منطقة حمير" تكون أسماء لجبل أو حصن مشرف على تجمعات سكانية وجميع الأسماء الموجودة في المنطقة الشرقية "دولة قتبان" في شبوه وحضرموت كلها تطلق على وديان.
فإذا كان هذا الاسم قبل الإسلام فإن هذا يعني إما اختلاف في الدلالة بين اللغة السبئية والقتبانية والحضرمية أو أن هذه التسمية منسجمة مع التطور التاريخي الذي شهدته اليمن آنذاك، فالحواضر اليمنية القديمة بدأت في الوديان الشرقية والجنوبية، ثم تحولت إلى الهضبة الجبلية حيث العاصمة ظفار في يريم وبالتالي احتلت الجبال والحصون أهمية عسكرية وإستراتيجية اقتضتها ظروف الصراع على السلطة والنفوذ والسيطرة في العصر الحميري
#قضايا_عامة_عن_ريمة
#المعجم_الريمي
ريمة.. المدلول والمعالم والحدود ج 2
سبق ان طرحنا في الحلقة الاولى تساؤلات منها :
يتساءل كثيرون عن ريمة أسئلة كثيرة، منها ما يتعلق بالاسم نفسه، لماذا سميت ريمة بهذا الاسم؟ وهل هو قديم جدا أم في العصر الإسلامي؟ وما معناه؟ هل له مدلول لغوي أم جغرافي أم تاريخي أم سلالي؟ وإذا لم يكن قديما فما الاسم السابق لها؟ ولماذا تحولت إلى ريمة؟
ومنها ما يتعلق بالإقليم وامتداده، هل كانت ريمة جزء من إقليم اليوم أم أكبر منه؟ وهل كان هذا الجزء الذي نسبت إليه ريمة، مدينة أم حصنا أم واديا أم جبلا؟ وأين يقع هذا الجزء اليوم؟
ومنها ما يتعلق بحدود ريمة هل هي ثابتة كما هي اليوم أم تغيرت زيادة أو نقصانا وما هي الظروف التاريخية التي ساهمت في هذا التغيير.
هذه الأسئلة ناقشنا بعضها في الجزء الاول وسنواصل البحث والمناقشة في هذه الحلقة والحلقات القادمة :
1. ريمة في النقوش اليمنية القديمة :
ولمعرفة ما إذا كان الاسم قديما قبل الإسلام ومتداولا وله معنى معين، عدنا إلى حصيلة النقوش اليمنية القديمة، ففي المعجم السبئي وجدنا مفردات (يريمين، ريمو، ريمن، تريمو، ريم، ريمت). مع العلم أن الكتابة المسندية القديمة لا يوجد فيها إلا تاء واحدة بما فيها التاء المربوطة أو تاء التأنيث. الأمر الذي يحتم كتابتها مفتوحة، حتى ولو كانت تاء تأنيث احتراسا من اللبس مثل " ريمت" بدل "ريمة" وقد أورد المعجم معاني لبعضها مثل: أشرف على أو أطل أو رفع أو أعلى أو علوا أو صعودا، كما فسرت كلمة ريمة أنها درج أو طرف أعلى، وبعض المفردات ذكر أنها غامضة أو مجهولة.
المهم أن كلمة ريمة قديمة بغض النظر عن تفسير معانيها التي خضعت لاجتهادات الباحثين من علماء النقوش الذين كانوا يلجئون إلى القواميس العربية التي لم تهتم بالمفردات اليمنية إلا ما اشتهر في الشمال أنه من لغة يمنية كالتي أوردها ابن منظور عن "ريم" أنه درجة أو دكان. وهو ما اعتمده مفسروا كلمات المعجم السبئي مع ما في هذا التفسير من تعسف. ومع هذا فإن الإشراف والارتفاع والصعود والدرجة الصاعدة لا تبعد كثيرا عن معاني الحصون التي منها حصون ريمة.
ولعل كتاب مختارات من النقوش اليمنية القديمة أحدث من المعجم السبئي وأكثر جدية واهتماما في تفسير معاني الكلمات المسندية القديمة، فقد وردت كلمة (ريم) وفسرت أنها لقب إله، فإذا أضفنا حرف المد المحذوف في الكتابة وهو الألف لوجدناها (ريام) وهذه المقاربة لكلمة (ريم) عزلة الرييم خطأ. ومتطابقة معها نطقا فأصحاب المنطقة ينطقون الرييم(الريام).
كما وردت كلمة (ريمت) أو (ذريمت) وفسرت أنها معبدا ولقب إله. أما الذال السابق لكلمة "ريمت" فهو من الأسماء الخمسة في اللغة العربية بدون حذف حرف المد، الواو أو الألف أو الياء، وتعني صاحب أو المتصف بصفة ريمة، مثلما نقول ذ الجود والإحسان، أي المتصف بالجو والإحسان وبهذا تعني (ذ ريمت)صفة مقدسة للإله مثل الأسماء الحسنى. وهذا يعني أن إطلاق هذا الاسم على الجبال والقلاع فإنما هو من باب التيمن والاعتزاز أو التخليد أو التفاؤل بألقاب الآلهة وصفاتهم.كما أطلقوه على جبل شمسان، ويعني الشمس وهي من الآلهة المعبودة في اليمن.
غير أن السؤال الذي يفرض نفسه، إذا كان (ريمة) لفظا مقدسا يطلق كلقب للآلهة، فماذا يعني هذا اللقب باللغة العربية؟ في دراسة جواد مطر عن الأحوال الاجتماعية والاقتصادية في اليمن القديم، ذكر أن الملوك اليمنيين كانوا يطلقون على أنفسهم ألقابا متعددة وأحيانا كانوا يستخدمون الألقاب الإلهية مثل (ريام) أو (ريم) وتعني السامي. كما يستخدمون (ذ ريمت ) اوذي ريمة وتعني السامية .
وهكذا نصل إلى المعنى الحقيقي لهذه الكلمة ومشتقاتها وهو ما يعني أن (ريمة) تعني السامية أو المتسامية وكلمة (ذ ريمة) تعني المتصف بالسمو أو صاحب السمو.
وحينما تطلق على اسم قلعة أو حصن فإنما هي للتبرك والإعتزاز، مثل (عزان) من العز و(نوفان) من النيافة.
#قضايا_عامة_عن_ريمة
#المعجم_الريمي
تعليقات